لماذا نهرب؟



#ألغاز_مقالية

لماذا نهرب؟

كتبته: سارّة النوري

 كم سار على الأفواه في المجالس سؤالٌ حول وسائل التحصيل وضوابطه..
فأُسْكن للسؤال حركاتي..
وأصفي له قلبي..
ولكن ما إن ينشط الحديث في جوابه..
فتثور النواهض، والشواهد السواطع..
فهذه تصدع بحجتها الشهباء..
وتلك تدلي ببرهانها اللامع..
حتى أجد نفسي وقد تقلص بِشْري..
وانقبض  خاطري..
وهربت بشاشتي إلى ابن الجوزي رحمه الله..!
الذي غاص في الحقائق..
 وكشف بعض الغوامض..
فقال: (إن الله عز وجل لما أراد بقاء العلم لأنه الدليل عليه؛ جعل في طباع الناس، وأصناف العلم: مناسبة جوهرية، وعلاقة خفية، فينجذب كل طالب إلى ما يناسب جوهريته لينحفظ بجملتهم العلم).

لذلك نهرب..!

إننا نهرب من تلك الحماسيات المؤقتة..
والقوالب النمطية..
والوسائل المجردة..
نهرب من الانغماس في جوهرية الغير..
لنداري جوهريتنا الخاصة..
بعد أن جربنا الفشل مرات عديدة..

يا طالبة العلم..

اهربي..

فإننا نهرب؛ لأننا نَكْره تقمص خصائص الغير، ولو كانت من جهة العارية!
فلا عارية تُضمن، ولا دين يُقضى، والمنحة مردودة!

فاهربي يا طالبة العلم..

 لتصبحي قريبة من حقيقتك..
مستغرقة في كينونتك الروحية العلمية..
منفصلة عن من حولك
 انفصالاً لا يمنع من التجاذب العلمي..
والتعاون التحصيلي..
والاستفادة التأصيلية..

لأنك إنسانة بخصائص قد تتشابه مع غيرك من طالبات العلم، ولكنها لن تتماثل معهن أبداً؛ كالبصمة التي في إصبعي وإصبعك تماماً!

أنت امرأة تمر بظروفها الخاصة..
حياتك ليست كحياة غيرك..
شريك عمرك ليس كبقية الشركاء..
أطفالك ليسوا كأطفال غيرك..

لك أطباعك المتفردة..
وقدراتك المحددة..
وميولك العلمية التي تنجذب لها جوهريتك المختلفة!

انظري لما يصلح لك أنت..
متبعة القواعد التحصيلية العامة السليمة..
والمنهجية العلمية الرصينة، بما يناسب حياتك أنت، لا حياة غيرك..

ولا تشتتي قلبك..
ويذهب عمرك..
وأنت تتابعين من حولك ولا تعملين..
وتستعيري لباس غيرك، وبه تتعثرين..
لا تكوني كغيرك ممن أعوزتهم القوالب النمطية المجردة عن الوعي التحصيلي..
وانتهى بهم المطاف إلى الاضطراب العلمي والتشتت الفكري..

لا تكوني تلك الطالبة الأسيرة التي راقبت حركات القوالب وسكناتها..
حتى عرفت جلائلها ودقائقها..
ثم خاضت الغمار مرات وكرات..
فقفصت أصابعها وتشنجت من البرد..
لأن حرارة القلب لم تكن حاضرة..
ولن يحضر القلب بحرارته معها إلى قالب نمطي..
فالقلوب تعشق الحقيقة..
فلم تحتمل جوارحها طبيعة القالب..
والتبست عليها وجهتها..
وبقيت كالدرهم المسيح الذي لا نقش فيه..
واستعجمت مذاهبها..
وكم قتلت الأرض جاهلها..
فمن أجل ذلك هربنا..
بلا عودة..

تعليقات