نوح الحمام
نوح الحمام
كتبته: سارة النوري
استبطأ النبي ﷺ جبريل عليه السلام مرة في نزوله إليه فقال له:
ما يمنعكَ أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟
قالها محمد ﷺ شوقاً لجبريل، وتوحشاً لفراقه، وليطمئن قلبه بنزوله، كما عبر بذلك السعدي رحمه الله في تفسيره..
فأنزل الله تعالى على لسان جبريل:
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: ٦٤ - ٦٥]
أي: فإن تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد؛ فلا يحزنك يا محمد ﷺ هذا التأخر..
وَثِق بأن الله هو الذي أراد ذلك؛ لما له من الحكمة فيه..
ولم يكن الله لينساك ويُهملك..
وناسب في تمام هذه الآيات أن يذكر سبحانه الاصطبار على عبادته، مع إعلان الربوبية له دون سواه..
فإن في تذكر ذلك والصبر عليه، تخفيفاً للحزن والفقد..
ولذا فإن توجه القلوب له جل جلاله، والتعبد في كل الأحوال والأوقات والظروف؛ معين للعبد في تجاوز الأزمات والكروب..
أقول ذلك ونحن نترقب رمضان..
ونرقب المساجد من بعيد..
وقد استبطأنا الصلاة فيها..
ولكم أن تتخيلوا نوح حماماتِ المساجد..
كيف أنها تسرح الآن في ملكوت الله..
وقد شابت أترابها وهي هائمة..
مستوحشة من الفراق..
أقلقها الوجد..
وأسقمها الشوق..
منتظرة الفرج..
ومترقبة للأبواب أن تُفتح..
وقد هيجت بنوحها القاصي والداني..
حتى أنها أخضعت بنوحها من لم يعتد سكنى المساجد من قبل..
وطيرت قلب الغافل الذي محى النسيان صورة المساجد من صدره؛ فاشتاق ليتدارك مامضى من الغفلة والنسيان..
بعثن الهوى في قلب من ليس هائــــمًا
فقلْ في فـــــؤادٍ رُعْنه وهْـو هــــــــائمُ
لها نغمٌ ليــست دمــــــوعًا فإن عـــــلت
مضت حيث لا تمضي الدموع السواجم
هوني عليكِ يا حمامات المساجد ولا تحزني..
فإن ربكِ ما كان لك نسيا..
ارفقي بنفسك..
وارفقي بنا..
وارفقي بنا..
وفي لزوم باب مولاك..
يهدأ الروع..
ويسكن الفؤاد..
ويسكن الفؤاد..
واحشدي نوحك لعبادته..
فإن قلب المحب لا يُساكن الأسباب..
لأنه تعلق بالمسبب الحقيقي، وهو الله سبحانه مسبب الأسباب..
يقول ابن الجوزي: (فيا طوبى لمن عرف المسبب وتعلق به، فإنه الغاية القصوى)..
ألا يا حمامــــــــــــات الأراكة والبان
ترَفّقْنَ لا تُضْعِفْنَ بالشــــجوِ أشجاني
ومع اشتداد الأمر علينا وعلى حماماتنا..
لعلنا نتذكر الصحابة رضي الله عنهم، حينما التفوا وهم يتضورون ألماً وحزناً على خبر الفقد..
وقد أطبقت عليهم حرقة الألم..
ودهشة الخبر الذي تقطعت له الحسرات..
وانفطرت له لفائف القلب..
حتى باتت قلوبهم تتقلب على الجمر..
فقد مات محمد ﷺ..!
فبينما هم في غمرة الحزن، ولوعة الجوى، إذ جاء صاحب الرفق والهوادة: أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه وأرضاه فقال لهم:
(ألا مَنْ كان يعبد محمداً ﷺ فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت).
المساجد اليوم كذلك قد أغلقت..
وفُقدت..
وفُقدت..
فمن كان يصلي عبادة لله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ} [البقرة:١١٥].
والله حي لا يموت..
وماكان ربنا لنا نسيا..
وماكان ربنا لنا نسيا..
سيأتي رمضان بإذن الله..
وسَيَكتُب الله لمن يشاء بلوغه..
فشمروا..
وتحزموا..
{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: ٨٧] .
لتقيموا الصلاة..
ولتسابقوا في الختمات..
فإنكم تعبدون الله في كل حال..
والله سبحانه حي لا يموت..
ربما منعنا ليعطينا، فمتى فتح الله على قلوبنا لنفقه ونعقل، وحرك الحزن جوارحنا لنعبد؛ رجونا أن يكون المنع: عين العطاء..
اللهم ارفق بنا فإننا نحبك..
وإن الأرجاء قد هاجت بنا من:
نوح الحمام
بورك اليراع، ونفع الله به وبصاحبته، لا حُرمنا مداد حرفك، ولا حرمنا الرحيم رحمته وأعاننا على ما يرضيه عنا 🌸
ردحذف